السبت يوليو 28, 2012 9:25 pm | المشاركة رقم: |
عضو لامع
إحصائية العضو | دولتي : | الجنس : | عدد الرسائل : 25 | العمر : 29 | السٌّمعَة : 0 |
| | موضوع: :: الغفلة :: بقلمي :: الغفلة :: بقلمي
كانت عيون رباب تقطف التساؤلات وتلقيها في غياهب الانتظار ، وقد أرتعدت فرائصها وهي تشاهد شحوب وجه الدكتور حاملا بيده تقرير الفحوصات الطبية ، أما طفلتها همت تقفز هنا وهناك ، فما كان إلا وصرخت بها أن تكف عن الحركة لتركز بما آت ! حتى أقترب الدكتور ، فقال إني أحمل تقرير المريضة رباب منتظر عبد الصمد ، فأرجو معرفة من تكوني أنت ؟ أجابت بتلكوء .. أنا أختها فهلا سلمتني أياه ، فرد عليها قائلا :
عليك بالصبر ، فأن أختك أصيبت بمرض مزمن في خلايا دمها ، وأظنها مفارقة الحياة خلال أقل من شهرين !! لفظ الدكتور تلك الكلمات ولم تشعر رباب بعدها بما كان يقول ،حاولت جاهدة أن تكون طبيعية ، لتفشل بذلك مع ما أهرقت من دمعها ، فتفطن الدكتور أنها رباب من خلال تلك الربكة ، وهي تقول إليه ، هل أنت متأكد من ذلك ؟ وهل هذه نهايتي الحتمية إذن ؟ .. وكأنه شعر بلواعج قلبها ، فهم يجذب الكلام ليجعلها تقنع بما قضى الله وقدر لها ، وأخذ يخبرها أنه ما من جدوى من البكاء فقد حدث كل شيء ، ولقد تبقت أيام معدودة يمكنك أن تشفعي لنفسك فيها ، وهذه فتاتك وأهلك ، كلهم سيكونون حولك ... ثم طلب رقم هاتفها بعدما أصرت على كتمان ذلك الخبر كيلا تفجع المقربين ، وكذلك ليتواصل معها ويحاول أن يكتب لها العلاج المؤقت ...
دخلت رباب في دوامة من الحنين وهي تجابه وعثاء الفراق لحياتها ، وتدنو من شبح التلاشي ، وصلت بيتها وكان الجميع ينتظرها ، زوجها صالح ، وأمها وأختها وأبوها ، فالحفلة ستبدأ بعد قليل وما زالت رباب صامتة وكأنها أصيبت بفقدان الذاكرة ، فلماذا إذن لم تجب عن كلام الجميع ؟ ولماذا صرحت بأنها غير قادرة على الخروج ، خصوصا أن رباب لا تفوت تلك الحفلات ، فأن بهرجها وصخبها يجعلها أكثر تفاؤلا ! بين تلك التساؤلات ، كانت رباب مشتاقة لتحتضن أبنتها نقاء ، وهمت تبث التقريع الحاد لنفسها لأنها تركتها ترحل ، كانت بحاجة لأن تحتضن كل من حولها ، فهي ذاهبة بعد أيام ، والنواظر التي كانت تبصر ديمومة الجمال ، فقد أنكى العمى صورها ، والبسمة التي تطوف في أرجاء البيت سوف تضمحل وتتبدد، لتخمد شعلة ذكرها بعد سنين ولن يبق منها سوى نزر من الذكريات العابرة ، ولعل أبنتها ستلاقي الأمرين في ظل فقدانها،أطلت من نافذتها فوجدت الربيع قد أمتشق الوجود ، وهاهو الوجود يتخلى عنها ، ويمنحها بطاقة الرحيل قبل الآوان الذي ظنته في يوم ، فسبحان الذي شاء إن يكون الرحيل في أوج الربيع ، حيث تتفتح الأزهار ، وتذبل معها ورقة عمر رباب ، وتنث الحدائق عبير البقاء ، ليخنق صداها روحها المحتضرة ..
استسلمت رباب لرحيلها المفاجئ ، فأخذت تعد العدة وتطيل النظر إلى حركة الموجودات ، مخاطبة نفسها ، أتراها سوف تبكي العيون على رحيلي ؟ أتراها نقاء سوف تفتقدني كما أفتقدها الآن ؟ زوجي العزيز الذي علمني أسرار المحبة ، هل يعز عليه نسياني بعد سنين من موتي ؟ ثم قالت لنفسها يارباب كفاكِ من هذه الأفكار وأستعدي لعالمك الآخر ، فماذا أعددتِ إليه ، فهل تلك الأموال التي بحوزتك ستنقذك من مصيرك ؟يارباب لقد قضيتي عمرك تجمعين وتكدسين المال، ولكنها لا تغنيك الآن ، يارباب لا تطلبي أن يمدك الله بعمر آخر فليس هذا قضاءك ، فقد حسم أمرك ، ثم همت تقول لنفسها ،ولكني كم كنت بلهاء !! نعم فما فطنت لحالي إلا في لحظاتي احتضاري ، وشعرت بشعاع الأيمان يستغرق طويلا في أغوار روحي ، فتمنيت أن أعود قليلا إلى الوراء ، لأواظب على صلاتي ، وانتهي عن حضور الحفلات المقززة ، وانتفع بما اعطاه ربي لكي يرضا عني ، ثم تذكرت أنها لطالما أستمعت لأصوات المطربين بولع تام ! فهل يا ترى ستمدها تلك اللذة بالشفاعة ! لماذا لم أستمع إلى القرآن بدلا من ذلك ؟ ياربي كم أشعر بالخجل من مواجهة ذلك الماضي الأثيم أمامك الآن ، ثم أجهشت رباب بالبكاء بعدما تطامنت رؤى واقعها ،وفكرت أن تكتم أمرها إلى حين ، وفكرت أن تكتب رسالة إلى أهلها ،يفهموا أنها كانت مجبرة على ذلك وأخذت القلم وبدأت تكتب بعدما أخذتها نوبة بكاء ..
بسمه تعالى جل شأنه ..
إلى أحبابي الذين افارقهم عنوة ، وإلى قلبي الذي ينبض في روحكم .. لا تنسوني بالدعاء الصادق فأني أمس الحاجة لذلك .. بالله عليكم أفتحوا قلوبكم وأستمعوا لهمسات كلماتي ..أجعلوا صدى كلماتي ينوش أفكاركم ومهجكم ، كم يعز عليّ أن أخط بيدي آخر كلماتي ، وأعلموا أني اكتب لكم وفي سطور الورقة تلوح صورة أبنتي نقاء ، وعيون زوجي المحدقة بكل أنعطاف ومودة ، لعلكم تجهلون أمر مرضي لأني آليت أن أخفي عنكم هذه الحقيقة ، ولأن الله منّ علية وأزاح عن عيوني النقاب الذي يغشاني ، فقد وجدت من الضرورة أن أحثكم على التمسك بالأيمان والإلتحاق منذ اللحظة بركب التقى ، فذلك هو السبيل لخلاصكم وسموكم ، نعم أنها محاولة لا تعدو سوى للتكفير عني ذنوبي ، ولست أعلم هل سيغفر ربي ذنوبي رغم تمادي روحي بعومها في بحر الضلال ؟؟ كانت رباب تستمجع الأفكار بشق الأنفس ، ليرن هاتفها ، أخذت تجر نفسها إليه لتجدها مكالمة من الدكتور ذاته ، فقال ، أرجو المعذرة اخت رباب فلقد أخطأ الدكتور الذي كلف بكتابة الإسماء فوضع تشخصيك مكان إسم آخر، فأنت سالمة ولا يوجد هناك شيء يدعو إلى الخوف ، تجمدت أطرافها ، وأربقت حركتها ، وكادت تختنق ، إلا أنها تمالكت نفسها لتشكر الدكتور على ذلك الخبر ، ثم همت تنظر في الورقة وهي تقول سوف أعلقها على حائط غرفتي لأتذكر كم كنت غافلة ، ولأشكر ربي لأنه نبهني على ظلم نفسي وجعلني أولد من جديد .
بقلمي
|
| |